تجارة إسرائيل المربحة.. تجارة أعضاء جثامين الأسرى
تجارة إسرائيل المربحة.. تجارة أعضاء جثامين الأسرى
اتُهمت إسرائيل -مرة أخرى- بسرقة أعضاء وعيون جثامين فلسطينيين كانت بحوزتها. وتأتي هذه الادعاءات الجديدة من مسؤولي الصحة في غزة لتكرر اعترافات سابقة لخبراء طب شرعي إسرائيليين في تل أبيب.
أفاد مسؤول صحي رفيع المستوى في غزة أن لجنة متخصصة تعمل على تحديد هويات جثامين ٩٠ فلسطينيًّا أعادتهم إسرائيل بوصفهم جزءاً من اتفاق حديث لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. وقد أثار هذا الرفات الذي نُقل إلى مستشفى ناصر في خان يونس، اتهامات من مسؤولين في غزة بارتكاب جرائم حرب، تشمل التعذيب، والإعدامات الميدانية، وسرقة الأعضاء.
مزاعم سرقة الأعضاء
وجه المكتب الإعلامي الحكومي في غزة يوم الجمعة اتهامًا رسميًّا للجيش الإسرائيلي بسرقة أعضاء من الجثامين. وقال إسماعيل ثوابتة، مدير المكتب، لوكالة الأناضول إن الاحتلال «دنس» الجثامين.
وأضاف ثوابتة: «أجزاء من جثامين كثير من الشهداء مفقودة، منها العيون والقرنيات وأعضاء أخرى»، واصفًا ذلك بأنه «جريمة بشعة»، ومطالبًا بتحقيق دولي.
وأوضح الدكتور منير البرش ذلك، زاعمًا أن كثيرًا من الجثامين «أُفرغت من الأعضاء الحيوية (القلب، الكبد، الكلى، القرنية)، وحُشيت بالقطن الأبيض لإخفاء عملية الاستئصال».
وهذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها هذه الاتهامات. ويقع المعهد الوطني للطب الشرعي (إل. جرينبرغج، المعروف باسم «معهد أبو كبير للطب الشرعي»، في تل أبيب.
شغل الدكتور يهودا هيس منصب كبير أخصائيي علم الأمراض، ومدير معهد أبو كبير للطب الشرعي من عام ١٩٨٨ حتى إقالته من الإدارة في عام ٢٠٠٤، مع أنه ظل كبير أخصائيي علم الأمراض حتى عام ٢٠١٢. أجرت الدكتورة نانسى شيبر- هيوز، وهي عالمة أنثروبولوجيا طبية أمريكية، مقابلة مع يهودا هيس فى عام ٢٠٠٠، اعترف فيها بأن المعهد كان يأخذ أعضاءً وأنسجة «على نحو غير رسمي»، وبدون إذن، وشمل ذلك استئصال القرنيات، وصمامات القلب، والعظام، والجلد.
فى عام ٢٠٠٩، وجد الصحفي السويدي دونالد بوستروم، في مقال بصحيفة «أفتونبلاديت» السويدية، أن الشبان الفلسطينيين الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي خلال الانتفاضة الأولى في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات تعرضوا لممارسات إسرائيلية لسرقة الأعضاء.
في ديسمبر (كانون الأول) ٢٠٠٩، اعترف الجيش الإسرائيلي (IDF) بأن معهد أبو كبير «استأصل» خلال التسعينيات أنسجة -منها القرنيات والجلد والعظام- من جثث، بعضها لفلسطينيين، دون موافقة ذويهم.
يفرض القانون الإسرائيلي تشريح الجثة لأي شخص يموت في ظروف «غير طبيعية»، أو «في أثناء الاحتجاز»، ومنهم السجناء، ويتم هذا التشريح في معهد أبو كبير حصريًّا.
عملية تحديد الهوية محفوفة بالتحديات
صرح الدكتور محمد زقوت، المدير العام للمستشفيات في غزة، بأنه بينما كان من الممكن التعرف على بعض الجثامين من الدفعة الأولى، فإن العديد غيرها في حالة متقدمة من التحلل، ما يجعل تحديد هويتها صعبًا جدًّا.
ولم تتلق اللجنة أي معلومات للمساعدة في عملها، مثل الأسماء أو ظروف الوفاة. وقال أحد أعضاء اللجنة: «ما تلقيناه هو جثامين تحمل رموزًا وأرقامًا فقط».
ومما يزيد الأمر صعوبة أن النظام الصحى في غزة الذي دمرته الحرب التي بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) ٢٠٢٣، يفتقر إلى المعدات المتخصصة، مثل تكنولوجيا تحليل الحمض النووى (DNA)، اللازمة للتعرف على الجثامين عن طريق الطب الشرعي. ولمساعدة العائلات، نُشرت صور لوجوه الضحايا، إلى جانب علامات مميزة ومتعلقات شخصية، على الإنترنت.
آثار التعذيب وسوء المعاملة
أدت حالة الرفات المعاد إلى اتهامات خطيرة من جانب المسؤولين المحليين. أظهرت لقطات صورها صحفي مستقل لصالح «بي بي سي» في مشرحة مستشفى ناصر جثة واحدة معصوبة العينين، في حين بدت على أخرى آثار قيود حول الرسغين والكاحلين.
ووصف سامح حماد، عضو لجنة تحديد الهوية، النتائج بأنها «مقلقة». وصرح حماد: «الجثامين التي تلقيناها تحمل علامات واضحة للتشويه». «لاحظنا ذلك بأنفسنا: هناك أيادٍ وأقدام مقيدة، وأدلة واضحة على التعذيب، وعلامات تشير إلى الإعدام».
وأكد الدكتور منير البرش، المدير العام للمستشفيات، هذه الادعاءات، مشيرًا إلى أن الرفات أظهر «حروقًا شنيعة»، وعلامات على تقييدها «مثل الحيوانات». وأضاف البرش: «وجدنا علامات حول أعناق بعض الجثامين -حبل مربوط حول أحدها- وهو ما تم توثيقه وتصويره».
«هذه الجثامين لم تُدفن؛ بل احتُجزت في ثلاجات الاحتلال عدة أشهر.. لم يموتوا ميتة طبيعية؛ لقد أُعدموا بعد تقييدهم».
نفت الحكومة الإسرائيلية سابقًا اتهامات سوء المعاملة المنهجي، وتعذيب المحتجزين، مؤكدة أن قواتها تعمل وفقًا للقانون الدولي.
اتفاق التبادل
تأتي إعادة الجثامين جزءاً من اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين إسرائيل وحماس. وبموجب الاتفاق، وافقت إسرائيل على تسليم جثامين ١٥ فلسطينيًّا مقابل كل إسرائيلي متوفى يُستعاد جثمانه.
حتى وقت كتابة هذه السطور، أعلن الجيش الإسرائيلى استعادة رفات ستة رهائن إسرائيليين من غزة، بالإضافة إلى جثة مواطن نيبالي، وشخص آخر ليس على قائمة الرهائن، ودعت إسرائيل حماس إلى «بذل كل الجهود اللازمة» لاستعادة جثامين ٢١ رهينة لا يزال مصيرهم مجهولًا.
ويأتي هذا التبادل بعد اتفاق سابق أطلقت فيه حماس سراح مجموعتها الأخيرة المكونة من ٢٠ رهينة على قيد الحياة. في المقابل، أطلقت إسرائيل سراح ٢٥٠ أسيرًا فلسطينيًّا، و١.٧١٨ معتقلاً تم اعتقالهم في غزة بعد ٨ أكتوبر (تشرين الأول) ٢٠٢٣.
سلمت السلطات الإسرائيلية الجثامين الـ٩٠ إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) على دفعتين، كل دفعة ٤٥ جثمانًا، وذكرت اللجنة الدولية أن فرقها «تتخذ إجراءات لضمان التعامل مع الجثامين باحترام»، حيث وفرت أكياس الجثث، ومركبات مبردة، لكنها أكدت أن «السلطات الصحية والطب الشرعي المحلي هما المسؤولان عن تحديد هويات الجثامين».
بحث يائس
فيما يتعلق بعائلات المفقودين، يمثل وصول الجثامين مجهولة الهوية انتظارًا مؤلمًا. إذ كانت من بين الموجودين في مستشفى ناصر سيدة تُدعى رسمية قديح، تبحث عن ابنها فادي (٣٦ عامًا)، المفقود منذ ٧ أكتوبر (تشرين الأول) ٢٠٢٣. وقالت: «لا أعرف ما إذا كان قد اعتُقل أم استشهد. لقد اتصلت بالجميع، ولم يخبرني أحد بأي شيء».
«كلما أُفرج عن سجين أو معتقل، أسألهم: هل رأيتم فادي؟»
وصفت قديح حالة عدم اليقين المؤلمة: «أريد فقط أن أعرف ما إذا كان ابني بينهم.. إذا لم يُعثر عليه بين هؤلاء الشهداء، فستكون صدمة كبيرة». ولا تزال تأمل أن تتمكن من التعرف عليه: «ابني مبتور الساق؛ لديه بهاق.. شعره أبيض.. سأعرفه».
سياسة السيطرة: «مقابر الأرقام»
لا يزال عدد الجثامين الفلسطينية التي تحتجزها إسرائيل غير واضح. أفادت «الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء»، وهي منظمة فلسطينية غير حكومية، الأسبوع الماضي، أن إسرائيل تحتجز رفات ما لا يقل عن ٧٣٥ شخصًا، منهم ٩٩ من غزة، في ثلاجات الموتى، أو «مقابر الأرقام».
منذ عام ١٩٦٧، تتبع إسرائيل سياسة احتجاز جثامين الفلسطينيين الذين قتلتهم قواتها. في السبعينيات أنشأت «مقابر الأرقام»، وهي مواقع دفن سرية يُدفن فيها الفلسطينيون دون الكشف عن هوياتهم، ويتم تمييزهم فقط بلوحة معدنية تحمل رقمًا.
يجادل باحثون ومنظمات حقوقية، مثل «الحق»، بأن هذه السياسة أداة للعقاب الجماعي، وشكل من أشكال «السيطرة على الجسد الفلسطيني، حيًّا أو ميتًا».
تشكل هذه الممارسات، ومنها احتجاز الرفات والتشويه المزعوم، انتهاكات جسيمة للقانون الدولي. على وجه التحديد، فإنها تنتهك المادة الـ١٧ من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تفرض احترام الموتى، وتُصنف على أنها جرائم حرب بموجب نظام روما الأساسي (المادة ٨) الذي يحظر «تشويه الجثث»، و«الاعتداء على الكرامة الشخصية».
نقلاً عن صحيفة المصري اليوم











